في الرياضة والشهوة النفسانية
أوحى الله إلى موسى عليه السلام :ياموسى ان أردت إن أكون اقرب إليك من كلامك إلى لسانك ومن وسوسه قلبك إلى قلبك ومن روحك إلى بدنك ومن نور بصرك إلى عينيك ومن سمعك إلى إذنك فأكثر من الصلاة على محمد (ص) . قال تعالى : (( ولنتظر نفس ماقدمت لغد)) يعني ماعملت في يوم القيامة.
اعلم أيها الإنسان إن النفس الاماره بالسوء هي أعدى لك من إبليس وإنما يتقوى عليك الشيطان بهوى النفس ،وشهواتها فلا تغرنك نفسك بالأماني والغرور، لأن من طبع النفس الامن والغفلة والراحة والفترة والكسل فدعواها باطل وكل شي منها غرور وإن رضيت عنها واتبعت أمرها هلكت وان غفلت عن محاسبتها غرقت وإن عجزت عن مخالفتها واتبعت هواها وليس للنفس مرجوع إلى الخير هي رأس البلايا ومعدن الفضيحة وهي خزانه إبليس ومأوى كل شر لايعرفها إلا خالقها (( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ))
يعني من الخير والشر.
وإذا تفكر العبد فيما مضى من عمره في طلب آخرته كان هذا التفكر غسل القلب كما قال (ص) ((تفكر ساعة خير من عباده سنه)) كذا في تفسير أبي الليث .
فينبغي للعاقل أن يتوب من الذنوب الماضية ويتفكر فيما يقربه وينجو به في الدار الآخرة ، ويقصر الأمل ويعجل التوبة ويذكر الله تعالى ،ويترك المنهي ويصبر نفسه ولا يتبع الشهوات النفسانية فالنفس صنم ،فمن عبد النفس يعبد الصنم ومن عبد الله بالإخلاص فهو الذي قهر نفسه .
وروى إن مالك بن دينار كان يمشي في سوق البصرة فرأى التين فاشتهاه فخلع نعله أعطاه الى البقال وقال أعطني التين فرأى البقال النعل وقال لايساوي شيئا فمضى مالك ، فقيل للبقال أليس تعرف من هذا ؟ قال ا قيل هو مالك بن دينار فحمل البقال الطبق على رأس غلامه وقال له اقبل هذا مني فأبى فقال اقبل فأنه فيه تحريري فقال له مالك بن دينار حلفت إني لا أبيع الدين بالتين ولا آكل التين إلى يوم الدين .
حكي إن مالك بن دينار مرض مرضه الذي مات فيه فاشتهى قدحا من العسل واللبن ليثرد فيه رغيفا حارا فمضى الخادم وحمله إليه فأخذه مالك بن دينار ونظر فيه ساعة وقال يانفس قد صبرت ثلاثين سنه وقد بقى من عمرك ساعة ورمى القدح من يديه وصبر نفسه ومات.. وهكذا أحوال الأنبياء والأولياء والصادقين والعاشقين والزاهدين.
قال سليمان بن داود عليه السلام أن القاهر لنفسه أشد ممن يفتح المدينة وحده.
وقال علي بن أبي طالب_كرم الله وجهه: ما أنا ونفسي إلا كراعي غنم كلها ضمها من جانب انتشرت من جانب آخر ،من أمات نفسه يلف في كفن الرحمة ، ويدفن في ارض الكرامة ، ومن أمات قلبه يلف في كفن اللعنة ويدفن في ارض العقوبة .
قال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى : جاهد نفسك بالطاعة والرياضة فالرياضة هجر النمام وقله الكلام ،تحمل الأذى من الأنام والقلة من الطعام ، فيتولد من قله المنام صفو الإرادات ، ومن قله الكلام السلامة من الآفات ، ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات ، ومن قله الطعام موت الشهوات لأن في كثرة الأكل قسوة القلب وذهاب نوره ، نور الحكمة الجوع والشبع يبعد من الله كما قال (ص) : (نوروا قلوبكم بالجوع وجاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش وأديموا قرع باب الجنة بالجوع فان الأجر في ذالك كأجر المجاهد في سبيل الله ، وأنه ليس من عمل أحب إلى الله من جوع وعطش ولن يلج ملكوت السماء من ملأ بطنه وفقد حلاوة العبادات).
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ماشبعت منذ أسلمت لأجد حلاوة عباده ربي ، ومارويت منذ اسلمت اشتياقا إلى لقاء ربي ،لأن في كثره الأكل قله العبادة ،لأنه إذا كثر الإنسان الأكل قل بدنه وغلبته عيناه وفترت أعضاؤه فلا يجئ منه شئ وإن اجتهد إلى النوم فيكون كالجيفة الملقاة _كذا في منهاج العابدين .
عن لقمان الحكيم أنه قال لأبنه: لاتكثر النوم والأكل فان أكثر منهما جاء يوم القيامه مفلسا من الأعمال الصالحة .. كذا في منيه الفتى.
وقال (ص) : لاتميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فإن القلب يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء .
ولقد شبه ذلك بعض الصالحين بأن المعده كالقدر تحت القلب تغلى والبخار يصل إليه فكثرة البخار تكدره وتسوده وفي كثرة الأكل قله الفهم والعلم فإن البطنه تذهب الفطنه.
حكي عن يحيى بن زكريا عليه السلام أن إبليس بدا له وعليه معاليق فقال له يحيى ماهذه قال الشهوات التي أصيد بها بني ادم قال يحيى : هل تجد لي فيها شيئا قال : لا إلا أنك شبعت ذات ليله فثقلناك عن الصلاة، قال يحيى عليه السلام : لاجرم إني لا اشبع أبدا .فقال إبليس لاجرم إني لا انصح أحدا أبدا . فهذه فيمن لم يشبع في عمره إلا ليلة فكيف بمن لايجوع في عمره ليله ثم يطمع في البعادة.
حكي أيضا عن يحيى بن زكريا عليه السلام أنه شبع مره من خبز شعير فنام تلك الليلة عن ورده فأوحى الله تعالى إليه يايحيى هل وجدت دارا هي خير لك من دارى أو وجدت جوارا هو خير لك من جواري ، وعزتي وجلالي لو اطلعت على الفردوس واطلعت على جهنم لبكيت الصديد بدل الدموع وللبست الحديد بدل المسوح
نسالكم الدعاء
.